الأربعاء، 15 مايو 2013

علي هذه الأرض مايستحق الحياة



65 ...
أما حان لنا التمعن جيدا في الرقم المتزايد دون توقف ؟؟
65 ليس رقم يدل علي عمر شخص ما .. ليس ذكري لمناسبة ما ...
65 ليس يوما ولا شهرا ...
65 "عاما " ... هو عمر جرحها العميق ، الذي من فرط بشاعته تهرب الكلمات خجلا منه
65 "عاما " ... هو عمر مأساتها ، التي من فرط قهرها تجعل أي محاولة لوصفها مجرد وقاحة
***********
يا من بكل هدوء تبكين ، بكل بطئ تموتين ...
غيرك لا يعيش مثلك !!
لاشي حولك سوي الدم وبقايا أجساد أطفالك ..
قليل طعامك وكثير هو حطامك ...
تفترشين أرضك القاسية لتكسي أجساد أطفالك الصغيرة ، ينامون تحت سماءك التي إمتلأت بالغيوم السوداء كقلوب الاعداء ....
كلما شاهدت مشهدا لأهلك يقتلون ،ينتابني إحساس بالخجل الممزوج بالحزن والأسي وكثير من الغضب...
شي ما لا أستطيع وصفه ألم؟ حسرة؟ قهر؟ ظلم؟ و عجز ولوم كثير للنفسِ ! ..
كيف لنا أن نعيش يوماً عاديّاً .. حياة عادية تماماً .. لا صوتٌ نخشاه أن يخترِقَ سمعنا فنجزع .. ولا ليلٌ مُخيف يفتقدُنا الهدوء و الأمان .. ولا صباح بارد جائع لا نجد فيهِ ما يدفئنا ويسد جوعنا ..
أيّ حياةٍ هذهِ التي نحياها دون أن نفعلَ شيئاً .. يتساقطون كل يوم .. كل منهم تلو الآخر
.. ينتظِر ليحين دوره ..
تجلس الإبنة لتربت بحنان علي قلب أمها الغارقة في حزنها بإنتظار زوجها وابناها الذين لن يعودوا يوما ...

أعجز حقا الحديث إليك .... أيحق ليّ أن احكي عنك ؟؟
فلسطين ....ذلك الوطن الذي كان وسيعود يوما ما .




الأحد، 12 مايو 2013

الشيطان عزازيل




بالرغم من تعثر مسمعي بالرواية كثيرا قبل قراءتي لها ، لكني لا أعلم ما الذي منعني من قراءتها قبل اليوم ؟؟ ....
أتراه عزازيل الذي منعني من ذلك ؟!
عزازيل .. هو الفكر العميق والأنا الداخلية والعقل الباطن للإنسان كما صوره الكاتب يوسف زيدان في إهداءه  بداية الرواية "لِكُلِّ امرئٍ شَيْطَانُهُ، حَتَّى أَنَا، غَيْرَ أَنَّ الله أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ.."

عزازيل ... هو الجزء المظلم من الذات الإنسانية، الجزء المطمور المخفي الذي لا يموت ما دام الإنسان حيًّا، فهو الذي يحركه ويربطه بالحياة، الذي يشجعه على تحقيق إرادته ثم ينتظر اللوم ويتحمله ويهنأ به، فيتحقق الطرفان.. الذي فعل، والذي كان مشجبًا علقت عليه الخطايا"
هو الذي قال عن نفسه عندما سأله هيبا :-

- عزازيل؟ جئت...

- يا هيبا، قلت لك مرارا أنني لا أجيء ولا اذهب. أنت الذي تجيء بي، حين تشاء. فانا آت إليك منك. وبك، وفيك. إنني انبعث حين تريدني لأصوغ حلمك، أو أمد بساط خيالك، أو اقلب لك ما تدفنه من الذكريات. أنا حامل أوزارك وأوهامك ومآسيك، أنا الذي لاغني لك عنه، ولاغني لغيرك. وأنا الذي..

هو مبرر نلقى عليه آثامنا وفجورنا، ونعلق عليه خطايانا وضعفنا ، فيردد علي مسمعينا
"لأغونكم أجمعين" ، فهو علي ثقة أن ملذات أخطائه ستغلب حذرنا وعقولنا ، فيراهن على حدة أبصارنا و غرورنا مع ضعف بصيرتنا و ارتجاف إيماننا ، يعلم جيدا لحظة غفلتنا ونقطة تسربه إلينا ، ليتركنا عابثين نبحث عنه حولنا ،في كل مايحيط بنا بينما هو يسكن بداخلنا ، يجاورنا ، يعيش معنا ، كمجرى الدم هو منا !!.

نحيل البدن أسمر البشرة هي صفات ذلك الراهب هيبا الذي عاش فترة حرجة من تاريخ الكنيسة بين القرنين الرابع والخامس للميلاد ( زمن انشقاق كنيستي أنطاكيا والإسكندرية وعقد مجمع أفسس الذي ناقش انشقاق نسطور أسقف القسطنطينية وحرمانه).

كان عاشقا للشعر و الطب عكف على معالجة الناس من دون مقابل في سبيل ارضاء الرب ، و كان في ترحال مستمر بين المعابد و كأنه يريد هجران آثامه ..!
فلم يكن رجل دين تائه يبحث عن حقيقة ديانته فقط ، وإنما كان انسانا يبحث عن نفسه التي نازعته رغباته وأفكاره ومشاعره وآلامه فلم يغالبها و فضل تجاهلها والهروب من معركته معها ، ظنا بأن هجرانها سيريح روحه ويزيد قوتها ، ولكنه في الحقيقة ما زادها إلا ضعفا وخذلانا ، واستسلاما لشيطان أنبت فيه الأثم والضعف من حيث لم يحتسب .
بين جدران المعبد يعتكف الراهب هيبا و يعتزل عن الآخرين ليكتب عن اعترافات و شواهد تعد تحفة أثرية لدى المهتمين بالآثار ، ففي الفترة التي عاصرها ذلك الراهب شهد على صراعات بين الرهبان المنتمين لطوائف مسيحية مختلفة ، فلكل منهم رأي حول حقيقة سيدنا المسيح عليه السلام ، فمنهم من يراه بأن إله و البعض ينفي أن يولد إله من رحم إحدى عباده ، و قبل أن يشهد الصراع الديني فقد كان مازال على وثنيته من السكان ، وقد أصبحوا غير مرغوبين فيهم طالما يظلون على جهالتهم خاصة و أن بعضهم كان يحظى بمكانه قد تعرقل من انتشار المسيحية ، ولعل حادثة اغتيال الفيلسوفة " هيباتيا " خير دليل على العنصرية و الوحشية التي لا تمت بصلة لدين سماوي نزّل من قبل الله سبحانه ، و لما كان الراهب هيبا احد شهود عيان لحظة التمثيل بالفيلسوفة أخذ أحد المسيحيين يقول له " الذي رأيته هناك ليس براهب ، فالرهبان لا يقتلون و انما يمشون على الارض هوناً متبعين خطى الرسل و القديسين و الشهداء " 

طيلة سنوات حياته يسعى للتكفير عن فعلته التي فعلها مع أوكتافيا و مرتا ، فقد تعثر في بئر الخطايا ، فرهن نفسه على التقشف و العزله و آمن بأن " كل ما في الكون ينام إلا آثامنا و ذكرياتنا التي لن تنم قط و لن تهدأ أبداً "فأخذ يداوي المرضى كنوع من تطهير النفس فـ " لايوجد في العالم أسمى من دفع الآلام عن انسان لا يستطيع التعبير عن ألمه " .

عندما قرأت هذه الرواية والتي تتألف من380 صفحة فيها 30 فصلاً (رقاً) .. شعرت بأن بين يدي قطعة أثرية لا رواية لأن الكاتب يوسف زيدان كتب أن ما بعد المقدمة ماهى إلا تراجم لتلك الرقائق ، فحاول إقناعنا أنها بكل بساطه مذكره عمرها يقدر بخمس وخمسين و خمسمائة ألف سنه ..!

يأخذك الكاتب بطريقة سحرية إلى اماكن جغرافية وتاريخية ويعرفك على تفاصيل دقيقة حول احداث لم تعري لها انتباهاً من قبل. ما يضفي على هذه الرواية أكثر جمالاً هو أن الكاتب أهدى في صفحاته الأخيره صور لبعض الآثار شهدت وقائع مر بها الراهب هيبا ..


الرواية رائعة بحق، وأنصح بقرائتها بلا شك.

الاثنين، 6 مايو 2013

بينما ينام العالم


فلسطين ذلك الجرح العميق في القلوب .
تلك البلاد الحزينة التي من فرط بشاعة مأساتها تهرب الكلمات من وصفها وتجعل أي محاولة لذلك مجرد وقاحة .
عندما أقرأ أوأسمع خبراً وحتي أغنية عن المأساة الفلسطينية ينتابني إحساس بالخجل الممزوج بالحزن والأسي وكثير من الغضب.
الخجل من أنني لم أمنح القضية الفلسطينة ما تستحقة من الإهتمام ولم اتعاطف معها بما يكفي.
حزن وآسى على ماعاشه ويعيشه الفلسطينيين من مذابح وتشريد وإذلال وقهر لا يتحمله بشر.
غضب على هذا العالم البشع الذي يسكت علي مايحدث لهم و الذي لم يكن لهم ذنب سوي أن أرضهم صادفت أن تكون هي الأرض التي أختارها العالم لنفي اليهود فيها .




بينما ينام العالم ، عندما أنهيت قراءة هذه الرواية أحسست بأن روحي مُثقلة ومُنهكة وقلبي كان قد إعتصره الوجع .
تحكي هذه الرواية قصة إنسانية مليئة بالتفاصيل الحقيقية والمشاعر المؤثرة لأربعة أجيال من عائلة - أبو الهيجا - الفلسطينية كانوا يعيشون حياة هادئة وبسيطة في قريتهم - عين حوض - الى أن تم إعلان قيام اسرائيل وتم ترحيلهم غصبا عن أرضهم وذكرياتهم وأحلامهم فأصبحوا فجاة لاجئين مشردين في جنين لتبدأ من هناك مأساة مازالت مستمرة حتى الآن .


"في محنة تاريخ دفن حياً, سقط العام 1948 في فلسطين من الرزنامة إلى المنفى متوقفاً عن حساب العد السائر للأيام والشهور والسنوات, ليصبح بدلا من ذلك ضبابياً لا نهاية له!"

الإحتلال ،الوطن ، الأرض ، الأسرة ، المعاناة ، الذكريات ، الرعب ، الخوف ، اليأس ، القهر، الفرح ، الأمل ، الأ لم وحتى الموت
كلها مفاهيم تغيرت بداخلي بعد قراءتي للرواية .

"آمال" (بطلة الرواية) التي يبدوا انها سترافقني لوقت طويل ، كيف لي أن انسي الصغيرة التي ولدت في مخيم للاجئين ، وفي عمر الحادية عشر أختبئت لستة ايام داخل الحفرة مع صديقتها و إبنة خالتها ذات ثلاثة شهور والتي ماتت وهي في حضنها !!
وبعدها بشهور قليلة أصيبت برصاصة في بطنها تركت لها ندبة تذكرها دوما بالاحتلال والقهر.
كيف لي أن أنسي الشابة التي صمدت وواصلت حياتها رغم حزنها العميق ومأساتها المريرة و كلما من أحبت سلبته منها إسرائيل ،أباها أمها أخوها ثم زوجها.....
ثم حان دورها فحصدت روحها رصاصة لقناص إسرائيلي وغد كان يقصد إبنتها الوحيدة ، أنقذت إبنتها لكنها فقدت روحها .


لم تغادرني لحظة إختطاف الطفل إسماعيل من يديّ أمه الفلسطينية، لتربيه أم يهودية لم تُرزق بالأطفال، ثم كبُر ليكون جندياً إسرائيلياً يقاتل أخاه دون أن يدري، ويمضي وقت طويل قبل أن يعرف حقيقة الدماء التي يحملها في عروقه..

"في لحظة واحدة, كان إسماعيل ابن الأشهر الستة على صدرها, بين ذراعيها الحانيتين. في اللحظة التالية اختفى إسماعيل. إن لحظة واحدة ليمكنها أن تسحق دماغاً وتغير مجرى الحياة, مجرى التاريخ."

كنت أتأثر جدا من قبل عندما أشاهد مايحدث للفلسطينين جميعا ، لكني تأثرت أيضا عندما عاشت شخصيات على الورق أمام عينيّ،تعايشت معهم أحببتهم وصادقتهم ، ثم شاهدتهم يُذبحون ويقتلون وتنتهي حياتهم هكذا ببساطة... عندها أصبح للتاريخ ألم وغصّة حقيقية في حلقي، شعرت بهما فعلا،ولم يغادرني أحدهما إلى هذه اللحظة.

لا توجد مفاجآت هنا, لأنك تعلم مسبقاً بأن النكبة قد حدثت فعلاً، وأن النكسة واقع ملموس ، وأن مذبحة صبرا وشاتيلا قد طالت المئات من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء ،وكذلك مذبحة جنين ، إلا أن الجرعة المأساوية كانت مكثفة لتحدث كل هذه المصائب لأبناء عائلة فلسطينية واحدة ! أو ربما يكون حقاً هذا هو الواقع ؟!

أثناء قراءة الرواية, كنت أتساءل إن كان جوها الكئيب مبالغ فيه أم أن واقعنا وتاريخنا هُما حقاً بهذه الكآبة والمأساوية !

هل أنصح بقراءة هذه الرواية؟

نعم, بالتأكيد. وبرغم مأساويتها إلا أن تاريخ كهذا لا يجب أن يُنسى .... ذلك الوطن الذي كان، والذي سيعود يوما ما. (إن شاء ربي)


                                          **********************