الأحد، 12 مايو 2013

الشيطان عزازيل




بالرغم من تعثر مسمعي بالرواية كثيرا قبل قراءتي لها ، لكني لا أعلم ما الذي منعني من قراءتها قبل اليوم ؟؟ ....
أتراه عزازيل الذي منعني من ذلك ؟!
عزازيل .. هو الفكر العميق والأنا الداخلية والعقل الباطن للإنسان كما صوره الكاتب يوسف زيدان في إهداءه  بداية الرواية "لِكُلِّ امرئٍ شَيْطَانُهُ، حَتَّى أَنَا، غَيْرَ أَنَّ الله أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ.."

عزازيل ... هو الجزء المظلم من الذات الإنسانية، الجزء المطمور المخفي الذي لا يموت ما دام الإنسان حيًّا، فهو الذي يحركه ويربطه بالحياة، الذي يشجعه على تحقيق إرادته ثم ينتظر اللوم ويتحمله ويهنأ به، فيتحقق الطرفان.. الذي فعل، والذي كان مشجبًا علقت عليه الخطايا"
هو الذي قال عن نفسه عندما سأله هيبا :-

- عزازيل؟ جئت...

- يا هيبا، قلت لك مرارا أنني لا أجيء ولا اذهب. أنت الذي تجيء بي، حين تشاء. فانا آت إليك منك. وبك، وفيك. إنني انبعث حين تريدني لأصوغ حلمك، أو أمد بساط خيالك، أو اقلب لك ما تدفنه من الذكريات. أنا حامل أوزارك وأوهامك ومآسيك، أنا الذي لاغني لك عنه، ولاغني لغيرك. وأنا الذي..

هو مبرر نلقى عليه آثامنا وفجورنا، ونعلق عليه خطايانا وضعفنا ، فيردد علي مسمعينا
"لأغونكم أجمعين" ، فهو علي ثقة أن ملذات أخطائه ستغلب حذرنا وعقولنا ، فيراهن على حدة أبصارنا و غرورنا مع ضعف بصيرتنا و ارتجاف إيماننا ، يعلم جيدا لحظة غفلتنا ونقطة تسربه إلينا ، ليتركنا عابثين نبحث عنه حولنا ،في كل مايحيط بنا بينما هو يسكن بداخلنا ، يجاورنا ، يعيش معنا ، كمجرى الدم هو منا !!.

نحيل البدن أسمر البشرة هي صفات ذلك الراهب هيبا الذي عاش فترة حرجة من تاريخ الكنيسة بين القرنين الرابع والخامس للميلاد ( زمن انشقاق كنيستي أنطاكيا والإسكندرية وعقد مجمع أفسس الذي ناقش انشقاق نسطور أسقف القسطنطينية وحرمانه).

كان عاشقا للشعر و الطب عكف على معالجة الناس من دون مقابل في سبيل ارضاء الرب ، و كان في ترحال مستمر بين المعابد و كأنه يريد هجران آثامه ..!
فلم يكن رجل دين تائه يبحث عن حقيقة ديانته فقط ، وإنما كان انسانا يبحث عن نفسه التي نازعته رغباته وأفكاره ومشاعره وآلامه فلم يغالبها و فضل تجاهلها والهروب من معركته معها ، ظنا بأن هجرانها سيريح روحه ويزيد قوتها ، ولكنه في الحقيقة ما زادها إلا ضعفا وخذلانا ، واستسلاما لشيطان أنبت فيه الأثم والضعف من حيث لم يحتسب .
بين جدران المعبد يعتكف الراهب هيبا و يعتزل عن الآخرين ليكتب عن اعترافات و شواهد تعد تحفة أثرية لدى المهتمين بالآثار ، ففي الفترة التي عاصرها ذلك الراهب شهد على صراعات بين الرهبان المنتمين لطوائف مسيحية مختلفة ، فلكل منهم رأي حول حقيقة سيدنا المسيح عليه السلام ، فمنهم من يراه بأن إله و البعض ينفي أن يولد إله من رحم إحدى عباده ، و قبل أن يشهد الصراع الديني فقد كان مازال على وثنيته من السكان ، وقد أصبحوا غير مرغوبين فيهم طالما يظلون على جهالتهم خاصة و أن بعضهم كان يحظى بمكانه قد تعرقل من انتشار المسيحية ، ولعل حادثة اغتيال الفيلسوفة " هيباتيا " خير دليل على العنصرية و الوحشية التي لا تمت بصلة لدين سماوي نزّل من قبل الله سبحانه ، و لما كان الراهب هيبا احد شهود عيان لحظة التمثيل بالفيلسوفة أخذ أحد المسيحيين يقول له " الذي رأيته هناك ليس براهب ، فالرهبان لا يقتلون و انما يمشون على الارض هوناً متبعين خطى الرسل و القديسين و الشهداء " 

طيلة سنوات حياته يسعى للتكفير عن فعلته التي فعلها مع أوكتافيا و مرتا ، فقد تعثر في بئر الخطايا ، فرهن نفسه على التقشف و العزله و آمن بأن " كل ما في الكون ينام إلا آثامنا و ذكرياتنا التي لن تنم قط و لن تهدأ أبداً "فأخذ يداوي المرضى كنوع من تطهير النفس فـ " لايوجد في العالم أسمى من دفع الآلام عن انسان لا يستطيع التعبير عن ألمه " .

عندما قرأت هذه الرواية والتي تتألف من380 صفحة فيها 30 فصلاً (رقاً) .. شعرت بأن بين يدي قطعة أثرية لا رواية لأن الكاتب يوسف زيدان كتب أن ما بعد المقدمة ماهى إلا تراجم لتلك الرقائق ، فحاول إقناعنا أنها بكل بساطه مذكره عمرها يقدر بخمس وخمسين و خمسمائة ألف سنه ..!

يأخذك الكاتب بطريقة سحرية إلى اماكن جغرافية وتاريخية ويعرفك على تفاصيل دقيقة حول احداث لم تعري لها انتباهاً من قبل. ما يضفي على هذه الرواية أكثر جمالاً هو أن الكاتب أهدى في صفحاته الأخيره صور لبعض الآثار شهدت وقائع مر بها الراهب هيبا ..


الرواية رائعة بحق، وأنصح بقرائتها بلا شك.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق