الأحد، 13 يناير 2013

صديقي الشهيد


صديقي الشهيد ،،


عشرة أيام أوأكثر فصلت بين السطر الأول وهذا السطر .. ما إن كتبت صديقي الشهيد حتى تفاجأت بهروب الكلمات والحروف لأقف وحدي أمامك ، مشهد لا تريد الحروف أن تشاهده ، فكم هي الحروف صغيرة وجبانة تهرب حين لا تستطيع إيصال المعنى الحقيقي ، فيبقى المعنى وحيدا عاريا يلفه الهدوء والسكون ؛ فهل أحدثك بلغة الصمت يا صديقي؟



صديقي الشهيد هل سجنوك ؟؟  فماذا يعني السجن ؟؟ إنه مجرد غرفة عزلوك بها مع نفسك .. كم أعاني ياصديقي  لعدم قدرتي علي العزلة والإختلاء مع نفسي في هذا العالم المزدحم ، حتى في أوقات السكون تجبرنا الذات على التفكير قبل الانتهاء من العزلة عن ماذا سيكون بعدها ؟؟ فالذات يا صديقي تهرب منا طول الوقت، لا تريد منا أن نستيقظ بوعينا كي نراها هي التي تقودنا ، ولكنك محظوظ لأنك أرغمتها على ترك القيادة ورأيتها خاضعة أمامك بكل وضوح ، فلا أعمال تشغلك ولا دنيا تلهيك .. هذا هو معنى أن تكون مسجوناً، نردد بأننا غير مسجونين وأننا نعيش أحراراً أليس كذلك ؟ كم نحن سخفاء ، نحن المقيدون بكل أصفاد الدنيا نسير ولسنا نحن من نقود.. كم نحن فعلا مساكين 

شتموك بالتأكيد ؟ ماذا يعني الشتم أصلا ؟ هو لا يتعدي أن يكون كلمة أو أكثر اتفق البشر على أن تكون فيها إهانة للطرف الآخر حتى لو كانت كلمة بلا معنى أو كانت من لغات أخرى لايفهمها الطرف الأخر،، نعلّم أطفالنا كلمات لنجنبهم شتمات الكبار، ففي عائلتي مثلا يظن أطفال أخواتي أن الشتم بكلمة (يا حصان) هي من أكبر كلمات الشتائم ، لأن الكبارعلي هكذا إتفقوا وهم صدقوا الحيلة .. فالشتم أنواع وأشكال ولكن كلها ليست إلا رغبات بشرية في الانتقام ونفوس مليئة بالخبث والحقد تسترت بستاراللغة ، هل تعلم يا صديقي أنهم حين يشتمونك لا يرون إلا عالمهم المليء بالقذارة والنجاسة ؟؟ فليشتموك .. ففي نهاية الأمرهم قاموا بإتساخ أرضهم وعالمهم بالقاذورات .. وأنت روحك تجلس في الغرفة تتأملك وتضحك بسخرية عليهم ولكن لايسمع ضحكاتها إلا أنت.. الآن هل عرفت كم تبدو اللغة سخيفة ؟

هاجموك إذن ؟ وماذا عساه قد يعني الهجوم ؟ فجسدك أصبح نحيلا أكثر مما ينبغي، جلدوك ؟؟ ماذا يعني أنهم جلدوك؟؟ ضربوك بالسوط على ظهرك ؟؟ المساكين بجهلهم لم يعلموا أنهم يجلدون سوى عدة بلايين من الخلايا في جسدك ، وأنت هناك تتلو أذكارك وآيات من القرآن وأن الألم أصبح لامعنى له بالنسبة إليك .. هل فهمت كم تبدو اللغة ضئيلة حين قالوا بأنهم جلدوك ؟ 

لا تخف يا صديقي ألم تسمع للمرحوم محمود درويش حين قال: (كسروك كـم كسروك كي يقفوا على ساقيك عرشا / وتقاسموك وأنكروك وخبأوك وأنشأوا ليديك جيشا / وأطلت حربك يا ابن أمي / ألف عام، ألف عام ، ألف عام في النهار / فأنكروك لأنهم لايعرفون سوى الخطابة والفرار / هم يسرقون الان جلدك / فاحذر ملامحهم وغمدك / كم كنت وحدك يا ابن أمي / يا ابن اكثر من أب / كم كنت وحدك ) .. حقا كم كنت وحدك ياصديقي .






صديقي الشهيد .. وصلت إلي هنا بأكثر من خمسمائة كلمة وما زلت أطوف بين الحروف تائهة حول المعنى الذي لم أبلغه بعد، وهل لنا فعلاً أن نبلغه؟ 

لست برسامة ولست بعازفة ولا أملك صوتاً جميلاً أغرد فيه بذكراك، كل ما أملكه هو ثمانية وعشرون حرفاً ويداً للكتابة ، برغم يقيني أن تفاهة الحروف البليدة ليس بمقدورها إيصال المعاني العظيمة .

( ليس لديّ صديق شهيد من قريب أومن بعيد .. ولكنني صادقت كل الشهداء.)
                                           
                                          رحمكم الله يا أصدقائي الشهداء




ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق